الموت في هذه المرحلة كان يُنظر إليه كحقيقة حتمية، لكن بدون عمق وجودي أو تأملي فلسفي كبير. الفارس يموت في المعركة، والحياة قصيرة.
قال في رثاء أبيه:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيسٌ ولم يسمر بمكة سامرُ
هنا يظهر الإحساس بالفقد واللاجدوى بعد الموت.
لكن لاحظ، الفكرة لا تتعدى الرثاء، دون بحث عن معنى أو محاولة لفهم المصير.
مع ظهور الإسلام، تغيّرت النظرة: صار الموت انتقالًا إلى حياة أخرى.
ثم جاء الفلاسفة والمتصوفة ليضيفوا بعدًا روحانيًا وميتافيزيقيًا.
قال في "لزومياته":
خفف الوطء، ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد
هنا عندنا فلسفة متشائمة جدًا، يرى الموت كتسوية أخيرة بين البشر، ويرى الحياة والموت كلاهما بلا طائل.
الموت عندهم لقاءٌ مع المحبوب الأزلي (الله)، فتتلاشى الذات في ذات الإله.
"فصرت إذا غبتُ عني وجدتني ... وجدت إلهي في فؤادي" – ابن الفارض
الشعراء في هذا العصر تغنّوا بالحياة، ولكن الموت ظلّ كظلٍ خلف كل فرح.
الزمن الفاني، سقوط المدن، والموت الجماعي كان له حضور دائم.
في رثاء قرطبة أو الحنين للحب المفقود، نجد نظرة أكثر وجدانية وزمنية للموت.
مع التحولات السياسية الكبرى، صارت فكرة الموت مرتبطة بالمأساة الجماعية، القمع، الحرب، المنفى، والفقد الوجودي.
"الموت فينا، الموت في أيدينا" – يربط الموت بالفقر، بالسياسة، بالمصير الجمعي.
درويش أكثر من تعامل مع الموت كـ"صديق متكرر الزيارة".
قال:"أحنُّ إلى خبز أمي...
وقهوة أمي...
ولمسة أمي...
وإن متُّ، خذني إلى تابوتها، واكسر الباب"هنا يمزج درويش الموت بالهوية والحنين والمنفى، ليصبح الموت رمزًا لفقد الوطن والذات، وليس فقط نهاية الجسد.
وفي "جدارية"، كتب حوارًا كاملًا مع الموت، قال فيه:
"لا شيء يُوجِعُني على باب القيامة"
وذلك تعبير عن التصالح الفلسفي مع الفناء بعد طول مقاومة.
الموت في الشعر العربي ليس مجرد حدث بيولوجي، بل تطور ليصبح رمزًا:
للفقد
للعبور
للعودة
للزوال الجماعي
للهوية
وللتسامي الصوفي
0 دقيقة و 45 ثانية
.